شرح القوالب الغنائية من تراث الموسيقى العربية الشرقية

 

أولا القصيدة

القصيدة هي الشعر العربي الذي أتى به الشعراء في الماضي والحاضر، وتتناول أغراض عديدة، منها الوطني ومنها الديني، ومنها المدح ومنها الهجاء، ومنها الوصف ومنها الغزل… ويسمى هذا النوع من الشعر “الشعر العمودي” أي أبيات الشعر تكون كالعمود.

تبدأ القصيدة عادة ببيت شعر يتألف من قسمين: القسم الأول يسمى صدر البيت، والقسم الثاني يسمى “العجز”، وغالبا تكون قافية القصيدة أي آخر حرف في الكلمة في القسم الأول الصدر هي نفسها في النصف الثاني من العجز. ثم تأتي باقي أبيات القصيدة عموديا، وهذا الحرف الأخير في بيت الشعر يسمى “القافية”، مثال ذلك:

 قل للمليحة في الخمار الأسود *** ماذا فعلت بناسك متعبد

نرى أن حرف الدال هو آخر حرف في كلمة الأسود في صدر البيت وحرف الدال في كلمة متعبد أيضا هو آخر حرف في العجز. ونقول لهذه القصيدة بأنها دالية لأن القافية هي حرف الدال، وتغنى القصيدة إما ملحنة وإما ارتجالا كالموال، أي دون لحن مسبق.

ثانيا الموال

شعر أو كلمات باللغة العامية على وزن البحر البسيط، يعتمد على “الجناس”، والجناس هو أن تأتي بكلمة لها معنى، وتأتي بنفس الكلمة بمعنى آخر، مثال على ذلك: حب القمح وحب الرجل نجد أن نفس الحروف الحاء و الباء، لكن كل واحدة جاءت بمعنى.

و هناك أنواع عديدة للموال، لكن سنتكلم عن الموال الذي قدمه الفنان الكبير صباح فخري، و هو الموال الحلبي “السبعاوي”، لأن شطائره سبعة و تكون عادة الثلاث شطرات الأولى بقافية، ثم ثلاث التي تليها بقافية أخرى و الشطر السابع يعود لنفس القافية الأولى، و يسمى أيضا “الموال الشرقاوي” نسبة إلى الشرق، مثال على ذلك:

“من خمرة الحب زيدي الحان وامليلي” املأ لي

“واطرح عنائي من الهجران وامليلي” مللي

“وان كان لي ذنب هات الشرح وامليلي” املأ علي

“بهواك تشهد لي العشاق خاصاّ وعم” عامة الناس

“واصل لفاديك بموالي وخالا وعم” العم أخو الوالد

“يخشى عنوح الغرق إن سال دمعي وعم” عام أي طاف

“ومن زفيري على ابراهيم وامليلي” الملة هي رماد النار

ثالثا الفلكلور

هي أغاني باللغة العامية، غناها ورددها الناس على مدى العصور، وكانت تغنى في مناسبات عديدة (أفراح – أحزان – غزل – وطني – ديني…)، مثال على ذلك أغنية:

أول عشرة محبوبي هداني خاتم ألماس *** هادا قصدي ومطلوبي وهادا اللايق بين الناس

 أغنية حلبية تغنى خاصة بمناسبة الخطوبة والأفراح بشكل عام.

رابعا القدود الحلبية

هي نفس الأغاني الشعبية، وضع لها الناس كلاما آخر واستعملوا نفس اللحن، وبشكل خاص كان ذلك بين الأغاني الدينية والأغاني الشعبية، أي استعملنا نفس اللحن لكلام آخر قد الكلام، أي بقياس الكلام أو على وزن الكلام، ومثال ذلك من الأغنية الشعبية المعروفة:

 تحت هودجها وتعالجنا *** صار سحب سيوف يا ويل حالي.

وضع لها كلام قد الكلام الغزلي فكان القد هو:

يا إمام الرسل يا سندي *** أنت باب الله ومعتمدي

نلاحظ أن اللحن واحد والكلمات مختلفة، لكن الكلام قد الكلام وهذا هو بيت القصيد وما يقصد بالقدود.

والقدود موجودة في أغلب البلاد العربية كلبنان، مصر والأردن، لكن كان لحلب الفضل في نشر هذا اللون من الغناء العربي الأصيل، وذلك عبر مطربيها الكبار المعروفين، أمثال: صباح فخري، الشيخ صبري مدلل، أديب الدايخ، محمد خيري وآخرون.

خامسا الموشح

هو أسلوب غنائي يعود أصله إلى الأندلس، وتعد مدينة حلب من مرا تعه، يكون عادة إما شعرا وإما يخالطه كلاما بالعامية، لكنه موزون. وللموشح قالب غنائي خاص يتميز بتعدد الإيقاعات وتعدد النغمات، ومنه الموشح المشرقي يكون شعره عموديا كالقصيدة، وأندلسي يكون شعره متعدد القوافي والأوزان الشعرية، واعتبروا هذا التعدد بالقوافي والأوزان بمثابة تزيين أو توشيح للشعر فسمي موشحا. مثال على ذلك:

 جادك الغيث إذا الغيث همي *** يا زمان الوصل بالأندلس

 نرى أنه شعر عمودي بينما موشح.

أيها الساقي إليك المشتكى *** قد دعوناك وإن لم تسمع

ونديم همت في غرته *** وبشرب الراح من راحته

نرى أن الوزن والقافية تغير، وهذا النوع من الشعر اهتمت به الأندلس.

سادسا الدور

قالب غنائي خاص، و هو من أصعب ما يغنى في الموسيقى العربية، يتميز بمطلع يسمى بالمذهب، ثم تأتي بعده ما يسمى بالحركات، أي جمل لحنية يقوم المطرب بأدائها، كل حركة بلحن، بعدها تأتي الآهات حيث يشارك المطرب مع الكورس (الكورال) في أداء هذه الآهات الملحنة، ثم يقوم المطرب بحركة آهات بلحن آخر بعدها يعيد الكورس الآهات الأولى، ثم يأتي المطرب بجملة لحنية تسمى الرد، فيقوم الكورس بإعادتها باللحن الموضوع لها، ثم يعيد الرد المطرب بلحن آخر، ثم يعود الكورس إعادة الرد باللحن السابق، أي هناك دور للمطرب و دور للكورس، لذلك سمي اللحن ب (الدور) و هناك أمثلة على ذلك منها:

دور”يا ما أنت واحشني” الذي لحنه محمد عثمان، ودور”ضيعت مستقبل حياتي” الذي لحنه الشيخ سيد درويش، ودور “ايمتى الهوى” لشيخ الملحنين الشيخ زكريا أحمد والذي غنته السيدة أم كلثوم وامتدت شهرته بعدما غناه الأستاذ صباح فخري، وهناك دور”القلب مال للجمال” لحنه الشيخ بكري الكردي، ودور “يا ما أنت واحشني” والذي لحنه محمد عثمان.

“من أرشيف الفنان الكبير صباح فخري”